فى فترة من الفترات كنت شديد القسوة فى الحكم على الآخرين ولم أكن أتقبل -داخلياً على الأقل- أى نوع من التقصير أو الأخطاء منهم، وأتوقع منهم الكمال التام فى أى تعامل. لكن دائماً ما كان هناك نوعاً واحداً من الأخطاء التى أجد نفسى مُجبراً على إلتماس العذر لمرتكبيها، وهى تلك الأخطاء التى كنت أقع أنا بها فى فترة من الفترات. ويبدو أن هذا نمط عام شديد الإنتشار.. فمن الصعب أن نجد من يعذر الكذابين إلا إن كان هو وُضع فى ظروف جعلته يكذب عن إضطرار أو إختيار فى يوم من الأيام، ومن الصعب أن نجد من يعذر اللصوص إلا إن كان وُضع هو فى ظروف جعلته يسرق فى يوم من الأيام، وقس على ذلك كل التصرفات الصغير منها والكبير التى نتأفف منها وننظر لمن يقوم بها بنوع من التعالى والأفضلية.. دائماً إرتكابك لهذا الفعل فى الماضى يكسر فيك تلك الإنفة والغطرسة فتجد نفسك تقدر ظروف من يقومون بها وتضع نفسك مكانهم فتتعاطف معهم بدلاً من أن تغضب منهم.
نعم ربما التمس العذر لمن اخطأ , ان كنت قد وقعت انا بنفس الخطأ ولنفس الظروف التي يمر بها , ولكني لا اعلم يقيناً ان كانت لنفس الظروف او لا
ولذالك اترك الامر لله يحاسبه في الدنيا وفي الاخرة , ثم للقانون ان كان هناك قانون يحاسبه , اما انا ليس لي الا الدعاء له بالهداية
اخي حين يكون هناك انسان صالح لا يكذب او يسرق , ولا يحب السارقين والكاذبين هذه ليست غطرسه
ان اخذنا نلتمس العذر لهم دائماً يتمادون في اخطائهم , ويقلدهم الاخرين بما اننا اخذنا نلتمس لهم العذر دائما
في النهاية لا نستطيع ان نلوم من يغضب من السارقين والكذابين , ولا نلوم من لا يغضب منهم
لكن تساؤلاً خطيراً جال بخاطرى.. وهو أنى عملاً بتلك القاعدة ينبغى علىّ أن أعذر جميع الناس سواءاً كنت أقترف فى الماضى مثلما يقترفون هم الآن أم لا، لأتنى ببساطة لو كنت وُضعت مكانهم لتصرفت مثلهم تماماً، فلا أحد يختار الظروف والجينات التى يولد بها.
لا لا ينبغي ان تعذر في كل شيء , هناك بعض الامور لا عذر لها
لا تستطيع ان تجزم انك لو وضعت مكانهم سوف تفعل ما فعلوا , بكل بساطه الفقراء كثيرون , هل جميعهم يسرقون
ويترتب على تلك الفلسفة نظرة مغايرة تماماً إلى فكرة العقاب.. فلا ينبغى أن يكون عقاب المخطىء بهدف التشفى أو الإنتقام، بل يكون بهدف تقويم سلوكه وردع الآخرين عن أن يحذو حذوه فقط.
حين يكون القانون هو من يعاقب لا يوجد في العقوبه تشفي او انتقام , وان كان صاحب الحق هو من يعاقب هذا امرٌ بينه وبين الله لا نستطيع ان نجزم انه يتشفى او ينتقم
ولكن هذا لا يوجد الان هناك قانون يعاقب , وان كان القانون نائم , فبالتأكيد سوف يكون هناك انتقام وتشفي
وان كان الخطأ لا يحاسب عليه القانون , هنا صاحب الحق بين امرين اما ان يترك امره لله او ان يأخذ حقه بنفسه
كيف يأخذه لا اعلم ربما بنفس الطريقه التي اخطئ عليه بها
بل وتكاد تمتد الفكرة لتمحو كلمة "مخطىء" من القاموس بالمرة.. فمهما بلغ سلوك الناس من إنحطاط وتردى من وجهة نظرنا فهم لا يفعلون إلا ما تمليه عليهم ضمائرهم -التى لم يختاروها- وتربيتهم -التى لم يختاروها- وجيناتهم الوراثية -والتى لم يختاروها هى الأخرى- وبالتالى فعلى أى أساس نعطى أنفسنا الحق فى تعريف الصواب من الخطأ؟
كل انسان يرى الحق والصواب من وجهة نظرة الخاصة
ولذالك وجد قانون هو من يحاسب المخطئ , لا تستطيع ان تقول للقانون انت اخطأت في السابق ولذالك يجب ان تلتمس لي العذر
هل من المنطق ان يقول السارق للقاضي الذي يحكم عليه , التمس لي العذر فلو كنت مكاني لسرقت
مثلاً ماذا ستقول للص يجادلك ويقول لك أن السرقة من حقه لأنه فقير وغيره غنى؟ وماذا ستقول لقاتل يجادلك ويقول أنه قتل شخصاً بسبب تصرفاته التى جعلته غير قادر على الصبر عليه أكثر من ذلك؟ ستضطر أن تعاقبهم وإلا صار المجتمع فوضى، لكنك أثناء معاقبتهم لا ينبغى أن تكرههم أو تحتقرهم أو تظن نفسك أفضل منهم.. فهم قد فعلوا ما قد أملاه عليهم تفكيرهم كما تفعل أنت ما يمليه عليك تفكيرك تماماً.
لو قال لي السارق والقاتل ذالك ربما اقول له نعم لو كنت مكانك كان من الممكن ان اقوم بما قمت به ولكني لا اجزم بذالك
ولذالك سوف اقول له هناك قانون ولو فعلت انا ما فعلت انت سوف يحاسبني ايضا
نعم لا يجب ان نكرههم او نحتقرهم , ولكن ايضا لا يجب ان نعذرهم
كل ما هنالك أن تفكيركما مختلف. ويمكننا تشبيه من يعاقِب إنساناً بِنِية الإنتقام بمن يعاقب قطة بسبب قضاء حاجتها فى مكان مختلف عما دربها عليه بِنِية الإنتقام منها. سيكون هذا تصرف طفولى وأهوج.. فالمفروض أن يعاقبها عقاباً محدوداً بقدر ما يجعلها تدرك أن ما فعلته كان خطأ (من وجهة نظره)، لا أن يتشفى فيها أو "يرد لها الإساءة".
نعم هنا اوافقك بما تقول , يعاقب ولكن من دون مبالغة او تشفي وانتقام
أخيراً أعترف أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل علىّ اتباع تلك النصيحة.. فكلنا تعرضنا لمواقف ندرك فيها تماماً أن حجم الغِل والإستفزاز الذى نجد صدورنا تضيق به لا يمكن إحتواءه أو التعامل معه بكل تلك الحكمة. لكن فى نهاية اليوم عندما أعود إلى بيتى وأرقد على فراشى مراجعاً ما حدث أدرك تماماً أن ذلك الشخص لم يكن مخطئاً ولم يكن يستحق تعاملى معه بقسوة رداً على ما فعله معى، لكنى أسامح نفسى أيضاً على إنفلاتها فى رد الفعل لأن هذه هى الطريقة الوحيدة لخوض بحر الحياة الثائر وإلا صرت لقمة سائغة للجميع، كما أنه ما حملنى على ذلك إلا تربيتى وظروفى وجيناتى التى لم أخترها أنا أيضاً!
نعم اظن ان الجميع كذالك مثلك تماماً
كما يجب علينا ان نلتمس لهم العذر لظروفهم
يجب ايضا ان يلتمس لنا العذر نحن ايضا , للظروف التي وضعونا بها , بسبب افعالهم واخطائهم