الإسلام اليوم/خاص ترجمة: محمد الحسني
20/11/1422 11:30 م
03/02/2002

تشن جهات عديدة حملة مركزة على كل ما هو إسلامي وعربي وتتداخل خطوط هذه الحملة لتجمع المتناقضات وتتبنى الاتهامات الجزافية بل وتعتمدها كحقائق كافية للإدانة ...
وفي غمرة هذه الحملة المسعورة والتي تؤجج الصحافة الأمريكية أوارها نجد مقالات كهذا المقال المنشور في جريدة (لوموند) الفرنسية 4/10/2001 تحاول الدخول على الخط وتسعير العداوات ودقّ إسفين البغضاء مستغلةً الحملة الأمريكية الواسعة على الإسلام...
ورغم الترهات الواضحة والأكاذيب المنشورة في ثنايا هذا المقال إلا أننا قمنا بترجمته إلى العربية ليطالع القارئ العربي المسلم بنفسه وجهة النظر الأخرى ويحكم بعقله على مدى مجافاتها للحقيقة.
ففي الدول التي يفترض أن يحكمها القانون والعلم ويحافظ فيها على حقوق الجهات والأشخاص يتمّ تجاهل كل هذه الأمور حين حينما يتحدث عن الإسلام و عن المعارضة الإسلامية الراشدة والتي لا يدخل العنف في برامجها ولا في أدبياتها ، وإليك عزيزي القارئ ما كتبته الصحيفة الفرنسية:

إن الهوية السعودية لكثير من الإرهابيين المتورطين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت إلى التفكير في أن السعودية تأوي إسلاميين مستعدين لضرب الولايات المتحدة .
في هذه اللحظة اقتنع العالم بأجمعه بمسؤولية بن لادن عن الأحداث الدامية التي شهدتها نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر وبعد ثلاثة أسابيع من الأحداث صرح المحققون الأمريكيون بأن هناك براهينا ملموسةً تدين الملياردير الإرهابي الذي يتخذ أفغانستان الآن ملجئاً ، هذه الحجج ستقدمها أمريكا لحلفائها .
وفي انتظار الكشف العلني عن تفاصيل مسؤولية بن لادن عن الأحداث فإنه يجوز افتراض أسئلة أخرى وطرح خيارات أخرى . ذلك أن تحقيق أفضى إلى وجود مجموعة إرهابية معزولة في السعودية تتخذ سلمان العودة قائداً منظراً " إيديولوجياً " لها . والذي يعيش مقيداً الحرية في السعودية حالياً .
لماذا السعودية باذّات ؟ نظراً لوجود القوات الغربية في الأرض المقدسة والتي تسبب إزعاجاً للرأي العام العربي الذي يعارض دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الانتفاضة الجديدة ، وتتضمن هذه المعارضة استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة وضرب الحصار على الشعب الفلسطيني والقصف الأمريكي البريطاني للعراق .
ولتفسير استقرار القوات الأمريكية في السعودية ينبغي أن نرجع إلى أحداث 1979م حيث حدثت ثورة الإمام الخميني ضد الشاه في طهران والتي طرحت القضية الأمنية في المنطقة . ومع وجود الشاه في إيران ونظام آل سعود في الرياض طرح الأمريكيون آنذاك قواعد سياستهم الخارجية في الخليج تحت مسمى " نظرية الركنين " : الركن السياسي في إيران والركن الاقتصادي في السعودية .
ومع القضاء على الشاه في إيران وإقامة جمهورية إسلامية في إيران عززت أمريكا مساعدتها لمملكة آل سعود . هذا الدعم جعل أمريكا تعتبر المنطقة مجالاً إستراتيجياً يحتل المقام الأول لدى واشنطن .
ومع غزو العراق للكويت سنة 1991م تأكد عدم قدرة السعودية على حفظ أمنها . وكان التهديد الأول لهذا الأمن في عام 1979م . ويظهر هذا جلياً عندما استنجدت السعودية بقوات فرنسية خاصة لاستعادة السيطرة على المسجد الحرام بمكة الذي استولى عليه إرهابيون إسلاميون .
النتيجة :- يظهر أن الآلاف من الجنود والمدنيين الأمريكيين الموجودين في المملكة يعتبرون كضمان وحيد لحفظ الأمن في المنطقة في نظر السلطات السعودية وحلفائها في واشنطن .فقد طلبت الرياض أكثر من ثلاثين مليار دولار من العتاد العسكري من الولايات المتحدة منذ حرب الخليج وليست هناك أي معاهدة أمنية تربط بين البلدين .
لقد حدثت مظاهرات عديدة بالسعودية منذ أواخر حرب الخليج للتعبير عن رفض الوجود الأمريكي. وطالب بعض المعارضين حكومة الرياض باعتماد التجنيد الإجباري وإعداد جيش يتكون من خمس مائة ألف رجل . وفي هذا السياق كتب الإسلاميون عريضة أولى للملك اقترحوا فيها إصلاحات تشريعية وقضائية وعسكرية . وتم توجيه النقد للسلطة الدينية العليا المتجسدة في الشيخ عبدالعزيز بن باز نظراً لقبوله بوجود قوات غير مسلمة على الأرض المقدسة . وقدمت عريضة أخرى صرح فيها المعارضون بضرورة تحقيق استقلال وطني حقيقي .
واليوم حتى ابن وزير النفط السابق "هاني يماني" مؤلف كتاب " إذا كنت سعودياً " يناضل من أجل مغادرة القوات الأمريكية واستبدالها بقوات مسلمة . ويؤكد متابع للشأن السعودي بأنه : " يوجد نفور حقيقي من طرف النظام نفسه يتعلق بالوجود الأمريكي . وهناك أقلية قليلة من الشعب تنظر إلى بن لادن نظرة شزراء .
ففي بداية التسعينات اشتهر عالمان شابان خاصة بنقدهما للنظام وهما سفر الحوالي وسلمان العودة والذان أسسا "حركة الإصلاح الإسلامية " كما أدت بهما خطبهما عن غياب الديموقراطية في المملكة ووجود " الكفار " فيها إلى الزج بهما في السجن في سبتمبر 1994م . وبعد توقيفهما هدد "جيش من المؤمنين " غير معروف النظام و المؤسسات الغربية في العالم .
كما أن سلمان العودة أصدر شريطاً سمعياً يتم تداوله بشكل سري في أوروبا والولايات المتحدة . ففي " موعظة الموت " طالب النخبة السعودية المثقفة بالتضحية والاستشهاد لمهاجمة الغربيين ونظام آل سعود المتهمين بخدمة " الصليبيين " .
ونص هذه الفتوى يعد مصادماً . وفي فقرة منه قال : " يجب أن تتزعم المعارضة في المقام الأول مجموعة من الأشخاص ضمن النخبة والتي ينبغي أن تضحي من أجل القضية . وبجب على هذه المجموعة الصغيرة أن تستعد لمواجهة الاعتقال والتعذيب وحتى الموت . ويجب عليها كذلك أن تكون صلبة العزم وتضرب بدقة وليس من الضروري أن تكون هذه المجموعة كبيرة " .
ويشك بعض أفراد الشرطة المتخصصين في الجماعات الإسلامية في ربط أطروحات سلمان العودة بلجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية التي تتكون من جماعة من المعارضين السعوديين يقيمون في بريطانيا وألمانيا اللتين اتخذهما بعض منفذي العمليات كبلد للإقامة أو منطقة عبور لهم .
لم تنحصر المعارضة السعودية في النقد فقط بل تعدت ذلك إلى العنف حيث تم تنفيذ عملية 13 نوفمبر 1995م والتي استهدفت عمارة يقطنها مستشارو الأمن القومي الأمريكي . وقتل على إثرها سبعة منهم . كما تم تنفيذ عملية 27 يونيو 1996 م حيث انفجرت شاحنة مليئة بالمتفجرات وقتل على إثر هذا الحادث 19 رجلاً و 540 جريح في القاعدة الأمريكية في الخبر قرب الظهران . وتم توقيف أربعة سعوديين اعترفوا بوقوفهم وراء أحداث 13 نوفمبر 1995م وصرحت مصالح الاستخبارات السعودية فيما بعد أن هؤلاء المتهمين لهم صلة بابن لادن والمسعري الذي يعد معارضاً آخر للنظام .
ولم يسمح للأمريكيين باستجواب هؤلاء المتهمين الأربعة مما زاد في شكوكهم حول هذا الأمر . فهل عند السعوديين أشياء يخفونها لاستبعاد السماح لحلفائهم لاجراء التحقيق بأنفسهم ؟ وأما أحداث 27 يونيو 1996م فقد نسبت " للشهيد عبد الله الحذيفي" وتبناها حزب الله في الخليج الذي يعد فرعاً من حركة الجهاد في الجزيرة . هذا الأخير أعلن أن آخر موعد لمغادرة القوات الغربية السعودية هو آخر أبريل 1995م .
لقد تم تنظيم معارضة حقيقية للوجود الأمريكي منذ أواسط 1995م. وتشكل جيلٌ من السعوديين ينتقدون تمركز القوات الغربية في بلدهم . ولا شك أن الشباب السعودي المتورط في أحداث 11 سبتمبر تغذوا من هذا النقاش الذي انتشر منذ عشر سنوات في المملكة .
وبعد مدة اتسمت بحيرة المخابرات الأمريكية عن جنسية الانتحاريين نظراً لإمكانية استعمالهم لهويات مغلوطة فإن الـ إف بي آي نشرت في موقعها على الشبكة في 28 سبتمبر معلومات حول هويات الانتحاريين . وأعلنت الشرطة الفيدرالية أن سبعة من أصل 19 مشتبهاً فيه هم من أصل سعودي. وسبعة آخرين يحملون أسماء مشهورة في السعودية من قبيل : أحمد وحمزه الغامدي وفايز أحمد ... وبهذا يكون أغلب الإرهابيين من أصل سعودي .
إن أسماء العوائل مثل الغامدي والشهري يرتبطون بمنطقة عسير في السعودية التي لم تقبل حقيقيةً بالسلطة السعودية في المنطقة منذ الاستيلاء عليها سنة 1929م . ويعاني أهالي هذه المنطقة من التهميش مقارنة بأهل الشمال المحظوظين بتقسيم ثروات البلد . وهذا زاد في نمو الشعور بالإحباط من طرف قبائل الجنوب وسهل تشكيل معارضة للنظام وتيسير تأسيس حركة معارضة مسلحة. فهل منفذوا هذه العمليات قاموا بها لأهداف شخصية ؟ وتجدر الإشارة إلى أن واحداً من الإسلاميين الراديكاليين المعارضين لحكومة الرياض وهو سفر الحوالي يرجع أصله إلى هذه المنطقة. ورفضت السعودية من جهتها قبول قائمة الأسماء المشتبه فيهم في الأحداث وصرحت بأنهم أحياء ويعيشون في الخليج. وأكد مصدر جامعي لا يود ذكر اسمه " أن مئات الأشخاص يحملون نفس أسماء الأشخاص والعوائل في تلك المنطقة ويحتاج في بعض الأحيان إلى معرفة اسم الأب والجد وما فوق لتمييز الأشخاص بعضهم البعض ".
فهل هؤلاء الرجال كانوا على علاقة بابن لادن ؟ يمكن ذلك لكن تجدر الإشارة إلى أن قليلاً من السعوديين هم الذين قاتلوا في صف ابن لادن في أفغانستان أو في مناطق أخرى. ولقد سحبت الجنسية السعودية من بن لادن في 1994م ورفض من طرف النظام كما أرغمت عائلتة لفعل ذلك. ويعتبر أي واحد له صلة بابن لادن متهماً بالخيانة العظمى وبالتالي تتم ملاحقته من طرف الاستخبارات السعودية التي تراقب عن كثب ذهاب وإياب زوار بن لادن في أفغانستان.
ويذكر أن معدل أعمار المشتبه فيهم هو ثلاثون سنة وليس بإمكان هؤلاء المشاركة في القتال في أفغانستان إبان الغزو السوفيتي. بل قد يكونوا متأثرين بأفكار بن لادن المنتشرة في السعودية. وصرحت الصحافة السعودية أن 6 من 9 من المشتبه فيهم قتلوا في الشيشان كما أكدت عوائلهم فقدوا الاتصال بهم حيث غادروا السعودية لمدة سنتين.
لم تتوقع الاستخبارات الأمريكية " سي آي إي وإف بي آي " تورط سعوديين في الأحداث لأن المملكة العربية السعودية تعد حليفاً موثوقاً لأمريكا في العالم العربي. وعبر كثير من المهتمين بالمنطقة أنهم لا يعرفون حقيقة الوضع السياسي الداخلي في السعودية وخاصة فيما يتعلق بالمعارضة الإسلامية. وتفاجأوا عندما علموا أن هؤلاء الإرهابيين عاشوا شهوراً بل سنوات في الولايات المتحدة. والغريب في الأمر أن هؤلاء المشتبه فيهم محبوبون ومألوفون ومنفتحون كما شهد بذلك جيرانهم. وبما أنهم اندمجوا في المجتمع الأمريكي وتكيفوا مع الطريقة الأمريكية في الحياة فمن الصعوبة أن يشك فيهم أحد قبل أحداث 11 سبتمبر .
سؤال أخير : لماذا لم يثر الخيار السعودي بشكل علني من طرف مصالح الأمن الأمريكي ؟ لأن هذين الحليفين سيفقدان كل شيء. وإذا تبين أن المتورطين في تلك الأحداث سعوديون فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ستتضرر بشكل خطير جداً. وتأوي الولايات المتحدة ما يقرب من 25000طالب سعودي في جامعاتها. فكيف يمكن مراقبة كل هذا العدد منهم ؟ إن التوتر الذي طرأ بين البلدين سيدفع السعوديين بطلب مغادرة الجنود الأمريكيين وإعادة التوازن الهش للقوات الموجودة في المنطقة . وكنتيجة لذلك سيتم إقصاء الركن الثاني من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد عشرين سنة من إقصاء الركن الأول.

"علي العايدي" صحافي ومتخصص في الإرهاب ويشارك في عديد من وسائل الإعلام الفرنسية وقناة التلفزيون. .