أمريكا تراقب الحج والزكاة ومدارس القرآن والمساجد!

تحقيق: أحمد إبراهيم
لا تندهش للأمر ففي ظل الحملة التي تشنها الولايات المتحدة تحت مسمي «الحرب ضد الإرهاب» أصبح كل شيء جائزًا» فالضرورات الأمريكية بات لها الحق في أن تبيح مختلف المحظورات, فموسم الحج وزكاة المسلمين وجهاد الفدائيين ومساجد المصلين صارت تحت الرقابة الأمريكية ضمن تداعيات أحداث 11 سبتمبر التي يبدو أنها ستستمر لسنوات وستطال كل ما يمت للإسلام بصلة ويسبب قلقًا لشرطي العالم الذي قرر مراقبة شعائر المسلمين وهو الأمر الذي يكشفه هذا التحقيق.
وكالات الأنباء تناقلت مؤخرًا خبرًا مفاده أن أجهزة أمريكية طلبت من السلطات السعودية ضرورة مراقبة موسم الحج هذا العام بزعم أن معلومات تواردت إليها بشأن إرهابيين تابعين لتنظيم القاعدة ينوون اللقاء في موسم الحج, كما أشارت مصادر إعلامية إلي أن عناصر من المخابرات الأمريكية ستقوم بمراقبة بعض المطارات في مصر وغيرها والتي تعتبر أهم نقاط الترانزيت للحجاج والمعتمرين, بالإضافة إلي الحصول علي كشوف بأسمائهم ضمن عدة إجراءات احترازية أمريكية تحسبًا لاستغلال موسم الحج لعقد اجتماعات وترتيب عمليات هجومية جديدة ضد أهداف أمريكية!
كما وصل إلي باكستان مؤخرًا فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف-بي آي) للتنسيق مع السلطات الباكتسانية في تفتيش الحجاج الباكستانيين المتجهين إلي الديار المقدسة خشية تخفي عناصر من طالبان أو تنظيم القاعدة بين الحجاج للهرب.

الزكاة مراقبة

كما فرضت الولايات المتحدة وصايتها علي أموال المسلمين وقامت بتجميد أرصدة 62 مؤسسة إسلامية في إطار جهودها المزعومة لوقف تمويل الإرهاب, وقامت بالفعل بمصادرة سجلات وأرصدة مؤسستين خيريتين إسلاميتين لجهود الإغاثة مستخدمة القانون الأمريكي لمكافحة الإرهاب الذي تم إقراره مؤخرًا رغم تنديد المنظمات الإسلامية الأمريكية التي طاولها ذلك وإعلانها أن الصدقة واجبة علي كل مسلم وهي أحد أركان الإسلام الخمسة.. إلا أن ذلك لم يثن واشنطن عن الاستمرار في حملتها فجمّدت أرصدة مؤسسة البركة التي يعتمد قسم كبير من الشعب الصومالي علي المساعدات التي تقدمها إليهم وأيضًا مؤسسة التقوي التي يملكها يوسف ندا وعلي همّت في سويسرا رغم أنه لم يثبت حتي الآن أي علاقة لهم مع تنظيم القاعدة أو أي تنظيم آخر, وتحقق السلطات الأمريكية مع العديد من مكاتب الصرافة الإسلامية التي لها مكاتب في أراضيها وقدمت مؤخرًا طلبًا رسميًا للمنظمات الخيرية في الكويت للحصول علي وثائق وبيانات مالية بسبب الاشتباه في أن المبالغ التي تجمعها وتوزعها تساهم في تمويل أنشطة إرهابية وهو ما أثار تحفظات عديدة لدي تلك الجمعيات وسخطًا تجاه القرارات الأمريكية التي تهدف إلي مراقبة ومنع الزكاة, وربما جمعها في «بيت مال البيت الأبيض» أو تتدخل الأمم المتحدة لتوزيعها خاصة بعد أن شارك في الحملة الأمريكية ضد الزكاة العديد من دول أوروبا فموسكو أبدت قلقها من تزايد عدد منظمات الإغاثة الإسلامية بدعوي أنها تمول المقاتلين في الشيشان وتقوم بالفعل برصدها وتحجيم أنشطتها الخيرية, وفي ألمانيا اتهمت إدارة حماية الدستور جمعية الأقصي بأنها تساهم من خلال التبرعات التي تحصل عليها في تمويل عمليات حماس داخل الكيان الصهيوني, كما قررت إيطاليا منح صلاحيات جديدة لأجهزتها الأمنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المراكز والجمعيات الخيرية وخاصة الإسلامية في روما, وتبعتها أيضاً مختلف العواصم الأوروبية.
وفي سياق نفس الحملة التي تقودها واشنطن حثت رئيسة الحركة النسائية الرسمية في أفغانستان «أمنية أفضالي» الأفغانيات علي خلع النقاب وذلك عقب أنباء تواترت عن إبلاغ النساء اللاتي كن يعملن قبل تولي طالبان الحكم بخلع هذا الزي إذا كن يردن العودة إلي وظائفهن.

مراقبة المساجد

وربما تكون الشروط العشرة التي حددها وزير الأوقاف لبناء المساجد في مصر استجابة لضغوط أمريكية إثر مخاوف من تزايد أعدادها وفشل السيطرة عليها أمنيًا, كما يأتي في هذا الصدد القرار الذي أصدرته وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية بمنع الأئمة والخطباء من القنوت في الصلاة دون الحصول علي إذن من ولي الأمر تجنبًا لقنوت أئمة المساجد علي ما يفعله الأمريكيون في أفغانستان وهو ما قد يغضب واشنطن! إلا أن ما يقلق السلطات الأمريكية تزايد الدعوات إلي الجهاد الأمر الذي سعت حياله لإغلاق مواقع على الإنترنت تحث عليه وطلبت مراقبة أي جهة تدعو إلي هذا الأمر في إطار مساعيها لتجريم الاستشهاد ووضع فيتو أمريكي علي ما يتعلق بفتاوي بشأنه أو بالحرب ضد الصهاينة والأمريكان, وربما يكون تراجع شيخ الأزهر عن فتواه سابقًا بإباحة العمليات الاستشهادية ضد الصهاينة وتحريمه بعد ذلك قتل المدنيين منهم داخل الأراضي المحتلة من تداعيات أحداث 11 سبتمبر!

تعليم أمريكي

والخطير في الأمر هو الخطط الغربية لمراجعة وتنقيح الكتب الدينية وفرض رقابة علي التعليم الديني في الدول الإسلامية بدعوي تجفيف منابع الإرهاب ولإنتاج نوع جديد من الإسلام تقبله أمريكا حيث تتهم الولايات المتحدة المناهج الدينية التي يدرسها الأزهر وغيره في الدول العربية والإسلامية وأنها تدفع الطلبة إلي اعتناق روح التشدد والتطرف وكراهية الأديان الأخري, وطلبت بالفعل إعادة صياغة أساليب تدريس مواد ومناهج التربية الدينية للمسلمين بصفة عامة والمعاهد الأزهرية بصفة خاصة, وقد زار وفد بريطاني الأزهر ومعاهده مؤخرًا وأجري لقاءات مع طلابه للتعرف علي آرائهم ومعتقداتهم وردود فعلهم حول أحداث سبتمبر, كما خصصت واشنطن اعتمادات مالية تقدبـ 100 مليون دولار لباكستان لكي تراجع كتب الثقافة الإسلامية وتحكم السيطرة علي مدارس تحفيظ القرآن الكريم لتقليص جرعة وساعات التعليم الديني, وقامت وفود أمريكية بالتفتيش علي مناهج التربية الإسلامية في جامعة مقديشيو بالصومال, كما أغلقت الحكومة اليمنية - بضغوط أمريكية - المعاهد الدينية وقررت إقاة معاهد أزهرية علي غرار المعاهد في مصر لتخريج دعاة وعلماء (معتدلين).
وقد طرحت السيدة بولادو بريانسكي - وكيل وزارة الخارجية الأمريكية - تمويل أئمة مسلمين يعارضون الإرهاب ويؤيدون التسامح والحريات الدينية من خلال وضع برامج تدريبية لعلماء مسلمين من خلال المنح والدراسات في إطار التبادل الثقافي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإعداد جيل من الإسلاميين يمكن التعامل معه, أو بمعني آخر أمركة الدعوة الإسلامية - إن صح التعبير - ضمن إجراءات اعتبرها الدكتور ضياء رشوان - مدير تقرير الحالة الدينية بالأهرام - رصدًا للحالة الدينية في دول العالم الإسلامي وخاصة أن أمريكا من وجهة نظره تسعي لمراقبة الشعائر التي تعتقد أنها ذات مغزي تضامني وتوحيدي بين المسلمين كالزكاة أو تلك الشعائر التي تأخذ معني التجمع كالحج, أما الصوم فهو شعيرة فردية ولا يحمل معني تجمع وبالتالي فلن يراقب! وعلي حد قوله فتحت مزاعم مواجهة الإرهاب هناك رغبة أمريكية في مراقبة تلك الشعائر وغيرها» فالمساجد في الغرب أصبحت مراكز مشبوهة, وهيئات الإغاثة والمنظمات الخيرية أصبحت مراقبة فالمخابرات الأمريكية تسعي إلي تفكيك فكرة التضامن وإثارة الشبهات حولها بدعوي أنها تستغل في تمويل أفراد وجماعات إرهابية فضلاً عن التخوف من التقاء بعض أفراد القاعدة خلال موسم الحج أو الاختباء بين الحجاج وربما التخوف من التحرك شبه السياسي خلال هذا الموسم لمؤازرة بعض الدول الإسلامية.
وكما يؤكد الدكتور ضياء رشوان فالقضية أكبر من طالبان وبن لادن والظواهري» فالأمريكان وجدوا الفرصة سانحة للتخلص من كل ما يسمي بالصحوة الإسلامية سواء كانت جماعات إرهابية أو معتدلة ، والإجراءات التي تم اتخاذها بشأن مراقبة شعائر المسلمين تعطي إيحاء بتصدي الولايات المتحدة والغرب لمختلف مظاهر الصحوة الإسلامية سواء كانت عندنا أو في بلادهم, ولاشك أن حركات إسلامية ليس لها علاقة بالعنف سيتم استهدافها علي المستوي العالمي بصورة تدريجية كما أن هذه الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة تؤكد أن حربها لا تحمل فقط معاني سياسية وعسكرية واقتصادية بل لها معاني حضارية ودينية أخرى , وإن كانت هذه الإجراءات تمثل سابقة هي الأولي من نوعها في التاريخ الحديث حيث تعد تدخلاً سافرًا في معتقدات الشعوب وثقافاتها, وهذا من الصعب تغييره بأي قرارات أو خطط» فأمريكا دمرت اليابان واحتلتها ولكنها لم تستطع أمركة شعبها فوجود مقاومة أمام هذا الاعتداء شيء أكيد, ورغم أن أحداث 11 سبتمبر كانت الحجة التي مارست واشنطن بواسطتها ضغوطًا مختلفة علي دولنا وتجرأت علي طرح هذه الطلبات.. إلا أن ذلك سلاح ذو حدين قد ينقلب ضدها» حيث من المتوقع أن يزداد العداء لأمريكا في العالم الإسلامي, ومن الممكن حدوث تحولات داخل الحركات الإسلامية يتحول بمقتضاها الجهاد من الداخل إلي الخارج, ففي السابق كانت بعض الجماعات تتحدث عن العدو القريب والآن تحول المسار إلي العدو البعيد.رد العدوان
أما المستشار طارق البشري - نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق والمفكر الإسلامي - فيقول: إن المبدأ المستقر في ميثاق الأمم المتحدة هو عدم التدخل في شئون الدول الأخرى فضلاً عن حقها في تقرير مصيرها, وهذه المبادئ للأسف لا يتكلم عنها أحد وواشنطن تريد الحصول علي ما تريد وعلي حكوماتنا أن ترفض ذلك فهو انتهاك لسيادتها, وكل الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة لمراقبة شعائرنا ومناهج تعليمنا تأتي في إطار الحرب علي الإسلام والمسلمين, وهي من أعمال العدوان التي لا تناقَش ولكن يجب ردّها ومنعها.
بينما يري الدكتور عبدالصبور شاهين - الأستاذ بكلية دار العلوم - أن مراقبة شعائرنا هي في الواقع إجراء سياسي لإرهاب حكومات العالم الإسلامي واختبار لها أيضًا فهل تنفذ ما تمليه عليها واشنطن أم يكون لها موقف في أخص شئون الأمة الإسلامية? فالأمر قد يصل لوضع كاميرات داخل الكعبة المشرفة لمراقبة الطائفين بها كما وضعوا كاميرات في مطارات باكستان لمراقبة المسافرين.
ويؤكد أن هناك أهدافًا تحققها أمريكا بالقنابل والصواريخ وأخري تحققها بخطط استراتيجية طويلة المدي من أجل السيطرة علي مقدرات الأمور في عالمنا, ولاشك أن الرضوخ لمطالبها سيكون بداية لتنازلات أخري أخطر وربما يراقبون الصلاة في المستقبل ويطالبون بغلق المساجد, ولذلك لابد للحكومات أن يكون لها موقف ينبع من الإحساس بعزة إسلامها وقوة عقيدتها وليس نابعًا من التبعية للسيد الأمريكي.

إسلام معدّل

أما الدكتور جمال عبدالهادي - أستاذ التاريخ الإسلامي - فيقول: إن تاريخ الغرب في حروبه معنا أثبت عجزه عن تدمير العالم الإسلامي عسكريًا فتحولت خططه لتحقق غزوًا فكريًا امتد لإعلامنا ومناهج تعليمنا لإضعاف عقيدة المسلم, ولذلك صدرت التعليمات الأمريكية لدول عربية بتخفيض عدد ساعات التعليم الديني من 20 ساعة إلي 4 ساعات فقط وقصرها علي أمور التعبد دون أمور الجهاد ومعاداة اليهود» فهم يريدون إسلامًا معدلاً علي طريقتهم وهو ما يكشف زيف ديمقراطيتهم في التدخل في عقائد وشعائر الشعوب.ولاشك أن ذلك يؤكد أنها حرب ضد عقيدة هذه الأمة ودينها تحت لافتة الإرهاب رغم أنهم قادة الإرهاب في الأصل, فهم نسوا ما فعلوه في نجازاكي وهيروشيما وفيتنام والعراق والصومات وفلسطين ولا يتذكرون سوي أحداث 11 سبتمبر التي أصبحت ذريعة لرصد الصحوة الإسلامية والتخلص منها وتشويه صورة شعائر المسلمين وإثارة الشبهات حول عقيدتهم ومراقبة من يتربي علي هذه الشعائر وصدق الله في قوله : ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ))
ولذلك فعلي الأمة حكامًا وشعوبًا أن تتوحد فالسفينة واحدة تواجه خطرًا واحدًا لن يفرق بينهما وعلى حكامنا أن يعوا أن قوتهم تكمن في قوة شعوبهم.