قال المستشار طارق البشري إن من قام بثورة مصر كان هو الأجدر بالحكم منذ البداية، معتبرا أن هناك محاولات كبيرة لعرقلة الديمقراطية الحقيقية عبر رفض نتيجة انتخابات الشارع النزيهة سواء في مجلس الشعب أو تأسيسية الدستور أو في الرئاسة.

الصحف المصرية اليومية مصراوى
وحضر البشري ضمن نخبة من المفكرين احتشدوا بالمؤتمر المصري الذي رفع شعار "دولة قوية .. مجتمع مشارك" برعاية مركز الحضارة التابع لجامعة القاهرة . ويستلهم المؤتمر تجربة تاريخية شهيرة في بدايات القرن العشرين قبل الحرب العالمية الأولى، حين اجتمع نخبة مصر ، مسلمون ومسيحيون، ومن اتجاهات فكرية مختلفة ومناطق جغرافية يؤكدون رفضهم سياسات المحتل الإنجليزي في تفرقة نسيج الأمة .
وفي كلمة البشري عرف الثورة بأنها إزالة المؤسسات القديمة التي كانت تقف حجر عثرة أمام تقدم المجتمع، مؤكدًا أن القوى السياسية التي قامت بالثورة لم تكن قد التقت إلا في الميدان، وهي عشوائية تلقائية غاضبة، ولم تكن تعرف مدى قوتها في الشارع من قبل، وللأسف فقد تفرقوا من جديد بعد الثورة واتجهوا للتنازع حول نصيب كل منهم في السلطة .
وفي استعراض لثورات مصر التاريخية، قال البشري أنها بدأت في القرن الثامن عشر حين جاءت ثورة شعبية بمحمد علي حاكما وبالفعل نجحت في الخروج من التبعية للدولة العثمانية ، وقام محمد علي ببناء أسس مصر الحديثة، ثم قامت الثورة العرابية لتتحدى المحتل الإنجليزي ، وبعدها جاءت ثورة 1919 وكانت ديمقراطية ووطنية وهدفت لبناء مؤسسات مناوئة للحكم الاستبدادي الملكي والمحتل الأجنبي، وجاءت ثورة 1952 وكانت وطنية أنهت التبعية للاستعمار وحققت عدالة اجتماعية ولكنها لم تكن ثورة ديمقراطية واستبد بها العسكر.
وقال: لعل أحد أسباب استبدادهم أن الجماعة الوطنية من إخوان مسلمين وماركسيين وغيرهم لم يتفقوا على عمل موحد ضد الملك، ولهذا فقد قامت مجموعة صغيرة من الضباط الأحرار بهذا الفعل الشجاع؛ ولكن لغياب الديمقراطية عن ثورة يوليو فإنها لم تستمر بعد رحيل قائدها عبد الناصر.
وبخصوص ثورة يناير، قال البشري إنه طيلة الفترة التي تلتها لم نجد تركيزًا على القضايا الأكثر إلحاحًا مثل استقلالية الإرادة المصرية عن الصالح الأمريكي والإسرائيلي وبناء وضع اقتصادي مصري يتيح للاستقلالية السياسية أن تمارس بفعالية.
وعلى جانب آخر، اعتبر البشري أن مصر يتحكم بها قوى ثلاث: المجلس العسكري وقد كان معزولا عن السياسة ولذا فهو فاقد الخبرة فيها، وثانيا التيار الديني وبخاصة الإخوان المسلمين والسلفيين ويميلون للخطاب الدعوي أكثر من السياسي، وأخيرا الليبراليون وهم يفهمون السياسة بعمق ولكن نظريا وليس على أرض الواقع.
وقال البشري إن من أكبر سوءات حسني مبارك أن فكك جهاز إدارة الدولة المصرية، وجعل الجيش معزولا والقضاء محتوى ، وبعد الثورة المؤسستين دستوريا غير مطالبتين بالعمل السياسي ، ووفق الأعراف العالمية يعتبر خطأ فادحا عملهما بالسياسة ، حتى رأينا القاضي الغاضب يحكم.
ووصف البشري ما نعيشه الآن بـ"التهرؤ الثقافي" منذ 1984 حين بدأت يظهر الحركة الإسلامية في المجتمع المصري ، في هذه الفترة صدر قرار من جهة ما هي أن الناس تتقاتل على فكرة مدني أو ديني ، وقبلها كنا نفكر البترول يذهب لإسرائيل أم لا، وسيناء تكون منزوعة السلاح أم لا، فأصبحنا بعدها نفكر تسليمه نسرين وحيدر حيدر هل نصادر أعمالهما أم نتركها؟!
وردا على سؤاله حول التعديلات الدستورية، قال البشري إن الاستفتاء كان حول مطالب ديمقراطية تتعلق بانتخابات نزيهة عن طريق مجلس الشعب ورئاسة الجمهورية، ولابد أن يكون وراء وضع الدستور لجنة منتخبة، وقال بصيغة الاتهام الواضحة: إن من قالوا الدستور أولاً كانوا يخفون أنهم يريدون لجنة بالتعيين وليس الانتخاب، وكانوا يحاربون لإجهاض الحراك الشعبي وعرقلة وصول التيار الديني للدولة.
وشهد المؤتمر كلمات عدة حول أسس النهضة الحضارية، وبين الكلمات دعا الدكتور سيد دسوقي أستاذ هندسة الطيران بتفعيل الأخلاق الحضارية، ومن ذلك التفكير فيما تحتاجه الأمة من خبرات والمبادرة لكسب الخبرة فيها، فقد أراد دخول كلية دار العلوم حتى نصحه شيخ بأن يدخل الكلية التي تعلم صناعة الطائرات والصواريخ.
ومن جانبه اعتبر الشيخ جمال قطب، الوكيل السابق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أننا نعيش حالة عزلة عن تاريخنا والذي لو تأملناه لعلمنا أن ديننا يدعونا للشورى والعدل، فقد اختار الفاروق عمر رضي الله عنه ستة من الصحابة لينتخب بينهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر بعدم خروج الصحابة الكبار من المدينة كي يستشيرهم ويأخذ برأيهم، ولكن للأسف تحولنا بعدها بسنوات لصراع بين أبناء معاوية وأبناء علي كرم الله وجهه على السلطة، حتى جاءت عبارة معاوية الشهيرة بعد أن سألوه لماذا لا يضيق بمن يهاجمه ويهجوه علنا : " لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم .. ما لم يحولوا بيننا وبين عروشنا" ، وهو معنى يكرره حكامنا باستمرار .
وأبدت الدكتورة ناجية عبد المغني، نائب رئيس جمعية التسامح الخلقي، استياءها ممن يتجادلون حول المادة الثانية من الدستور، وتذكرت سيدة فرنسية قابلتها سنة 1968م تقول: إن الإسلام هو دين المدنية والحضارة.
فيما أشار رجل الأعمال محمد منصور أبوعوف إلى أننا لن نتقدم بفكر ماركس أو آدم سميث، أي الاشتراكية أو الرأسمالية، مؤكدا أن ديننا يضع التكافل في مقابل حقوق الفرد .
واعتبر صلاح الجوهري مستشار لأحد المشاريع بمكتبة الإسكندرية، أننا لا نستوعب أنظمة الحكم جيدًا ونأخذها من القشرة فقط، فإذا أخذنا نظاما رئاسيا عتيدا كأمريكا سنجد الرئيس هناك حين يعين وزراء أو سكرتارية لابد أن يوافق أعضاء الكونجرس، وهو لا يعين أحد من المحكمة الدستورية فهي منتخبة على درجتين؛ لأنه يوافق عليها مجلس الشيوخ، والكونجرس هو من يقر الميزانية، مشيرا إلى أن الحكومة الفيدرالية عطلت عدة أيام لأن الكونجرس لم يوافق على الميزانية سطرا سطرا.
واعتبر الجوهير أن النظام الموجود في أمريكا برلمانيا في جوهره وليس رئاسيا، كما تتناول الصحف. والنظام الفرنسي هو النظام المختلط ، لا يوجد دستور يقول بذلك، والنظام حتى 58 كان نظاما برلمانيا وسنة 45 حين جاء ديجول طلبوا تعديل الدستور فرفضوا وحصل تعاقب وزراء وحصل أن الغرب خشي أن يفوز الشيوعيون في انتخابات فرنسا ويؤلفوا الحكومة ويدخلوا حلف الأطلنطي في أوج الصراع بين الشرق والغرب، فكان أن اقترحوا أن يأخذ رئيس الجمهورية حق اختيار وزارتي الخارجية والدفاع حتى لا يأخذها الشيوعيون إذا ما فازوا بالانتخابات، لافتا إلى أن النظام في تركيا فرضت عليه العلمانية ولم يخترها كما تروج وسائل الإعلام أحيانا، وفرضت القوى الغربية ذلك على تركيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وهو ما سمي بـ " شروط كيرزون 4 " ، وقالوا لأتاتورك: إما أن تقبل بهذا أو دخول اسطنبول 1922 ولم يستطع أتاتورك أن يبدأ بتنفيذ العلمانية إلا بعد نقل العاصمة؛ لأنها المجال الثقافي، ثم غير اللغة التركية واستخدم الجيش بالقوة لتمرير قوانين الدولة العلمانية واستخدم المحاكم والقانون فكان التقاء الجيش بالقانون.
فيما تحدثت رباب المهدي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، عن "المرأة والثورة" وقالت: إن وسائل الإعلام الغربية اندهشت من خروج المرأة المصرية والعربية في الثورات فقد تصوروا أنهن مقموعات لأنهن مسلمات.
وقالت المهدي: إنها دعيت لمناظرات الدوحة التي تتساءل هل ستوضع المرأة في القفص بعد الحكومات الإسلامية؟! مشيرة إلى أن المدهش أن من بين من كن تنظرن أن المرأة ستعاني القمع هي سيدة تنتمي للحزب الوطني المنحل ومولت الاعتداء على الناشطات أمام نقابة الصحفيين في 2005 .
وأصافت المهدي أن المرأة العربية تعاني مشكلة بدليل انتشار التحرش بها ، والتمييز ضدها في الوظائف العامة، مثل المناضلات اللاتي شاركن في الجماعات السياسية وفي الإضرابات وأمهات المصابين والشهداء .
وقال الناشط السياسي وائل غنيم أنه سعيد بتجربة الاعتراض المتكرر من كل فئات المجتمع مثل الشهر العقاري والميكروباصات اليوم، مؤكدا أن الثورة أجبرتنا على أن نرى بعضنا بدلاً من حياة الجزر المنعزلة، وجعلتنا نفهم السياسة، داعيًا لتمكين الشباب خاصة داخل المؤسسات الحكومية.