لبس المفكر القدير الغترة , ووضع العقال ...أدخل رجليه في البنطال السترتش , وشدّ أزرار قميصه
الشيفون الشفّاف ...لبس جوربه الأسود , وأدخل قدميه في حذائه ...وقف أمام المرآة ...أخذ دورةً كاملةً
ليرى شكله الجميل ! وضع بعضاً من عطرٍ نسائيٍ فاقع ! رجّل لمته وشاربه الكثيف !...أمعن النظر في
الأزرار السفلى للقميص ...ثمّ فك الأخير منها حتى يظهر شيء من بطنه كما هي الموضة !....
خرج من منزله متوجهاً الى مقهى الحرية . لقد كان منظره مثيراً جداً ! فنصفه العلوي كمستنسخ قردٍ
من أب أحول , ونصفه السفلي كمستنسخ دجاجةٍ من أمٍ عاهرة !...المهم ...ذهب مفكرنا يتمخطر وهو يردد
أغنيةً لأصالة يرددها بلهجة عربية متكسرة يتدلى فيها لسانه للخارج مع كل كلمة ينطقها وكأن كلمات
الأغنية تكسرت في فمه وتهشمت فكنسها لسانه للخارج !....
وصل الى مقهى الحرية ...بحثت عيناه عن طاولة فارغة لكنها ارتدت كسيرة حسيرة فلقد كانت الأجساد
متكومة حول المقاعد والطاولات ! لكن يبدو أن هناك طاولة يتيمة في الركن الأيمن من المقهى يجلس
اليها شاب بمفرده !...زمّ مفكرنا شفتيه فلم يتعود أن يبدو مستجدياً , لكنه فضّل أن تحمر وجنتاه لدقائق
من أن تزرق رجلاه من الوقوف وهو الذي لم يتعود عليه ! ...
جلس قبالة ذلك الشاب بعد أن أحدث جلبة غير مقصودة بتحريكه لكرسيّه مما أطار شرود الشاب وجعله
يبتسم لمفكرنا بتحيّة بأثر رجعي !...نظر مفكرنا الكبير الى الشاب , لقد كان في العشرينيات من عمره
بدا وقوراً مهيباً واثقاً من نفسه فنظراته الحادة جداً تنبىء بذلك ..فبالكاد كان ينّقل عينيه هنا وهناك كما يفعل
الكثير من مرتادي المقاهي . طلب مفكرنا من النادل فنجاناً من القهوة لكن دون أن تكون ساخنة لأنه لا
يريد للسانه أن يحترق في ما لا يستحق !!...مرّت دقائق والشاب لم يغيّر من نظراته الحادة وتركيزه
البصري وكأن من جلس قبالته قد مضى !...وكعادة مفكرنا الكبير الكثير التبرّم والسريع الضيق رمي
رصاصته الصوتيّة الأولى على استحياء فقال : لقد ساءت الأحوال في البلد !...ثم سكت منتظراً من الطرف
الآخر أن يمسك بخيط الكلام ...لكن الشاب لم يكن ككل الذين عهدهم المفكر ممن يبحثون عن كلمة منه ليلقوا
اليها 99 أذناً ! لم يزد الشاب عن ان ابتسم !...وواصل رشف فنجانه ...فكّر مفكرنا - فتلك مهنته ! -
فساءل نفسه : يبدو أن عليّ أن أحاول مرة أخرى ...انتظر برهة ثم قال : التطرف ينتشر كالنار في الهشيم!!
إنهم في كل مكان ...الناس تعود الى دينها !!...بعد أن نضج العقل الإنساني عن مرحلة الخرافة والشعوذة
ها هو يرتدّ ويهوي في حمأة الدين !!!....إن المتدينون في كل مكان ...منهم الدكاترة في الجامعات ....
الأطباء ...الفلاسفة ...السياسيون ...المهندسون ...المثقفون ...المفكرون ...بل هم المجاهدون المقاتلون
في سبيل الحرية بزعمهم ! ..إنّهم في كل مكان ...إنّهم يلقون القبول من الناس ...!بل أتصدق أنّهم يظنون
أنهم حصن الأمة الأمين الباقي في وجه الغطرسة والهيمنة الأمريكية الصهيونية بزعمهم ؟! ... رمى جملته
الأخيرة بلهجة استنكارية استفهامية مبطنة ليحمل رفيقه على الحديث الذي يبدو أن الشاب كان يراه
حملاً ثقيلاً فلم يجب !...فنفذ صبر مفكرنا فألقى سلاحه الأخير بين يديّ الشاب مستجدياً للحديث : ألست معي
في ذلك أيها الشاب ؟؟...ابتسم الشاب الذي رأى أن من الأدب أن يجيب , فقال : عمّن تتكلم أيّها السيد
الفاضل , فحتى أوافقك فيما تقول لا بد أن أعرف من هم هؤلاء الذن تتحدث عنهم ؟؟...إنّني يا سيدي
أحب أن أجيب عليك بصراحة لا تزيد عن حبي للعدل , فما أحلى العدل مع العدو قبل الصديق ! إنّ للعدل
نوراً ينتشر في الروح فينام صاحبها حين ينام مطمئناً قرير العين ...
ردّ المفكر : حسناً ...إنّما قصدت من يسمون أنفسهم بالإسلاميين ...
رد الشاب : أنّ لفظة اسلامي هي نسبة لهذا الدين ولا أظنك لا تنتسب مثلهم لهذا الدين ...أمّا عن مشروعهم
