من أصول النقاش الجاد تقديم مراجع موثوقة،والأهم الاستشهاد بتقارير حديثة وليس تقارير عمرها 7 سنوات ونشرها مركز غير محايد.
ولكن الملفت هو ادعاءات الكاتب بأن ما يحدث على أرض الواقع هو هدم ما أنجزه حكم طالبان على مدى 5 سنوات. هذا القول صحيح إلى حد ما، فقط إذا كان المقصود ما قام به هذا الحكم الوحشي من عرقلة التقدم في مجالات الصحة والتعليم والإعلام والاتصالات الخ.... بهذا المعنى نعم تقوم فرق الإعمار بهدم قوانين القرون الوسطى التي فرضها حكم طالبان بالقوة وتحت طائلة العقاب الهمجي الذي كان يصل إلى حد الموت في كثير من الأحيان
سنناقش ما أثاره المركز الإسلامي حول مجالات إعمار أفغانستان كونه يتوافق مع قناعات الكاتب الذي أرشدنا إليه.
1-بناء الطرقات: خلال حكم طالبان لم يكن هناك حكومة بالمعنى الحقيقي للكلمة لبناء أي شئ، لا طرقات ولا غيرها.
كان وزراء طالبان ونوابهم مجموعة من الملالي كل تحصيلهم المعرفي من "المدرسة" . العديد منهم مثل وزير الصحة وحاكم المصرف المركزي كانوا قياديين عسكريين غالبا ما كانوا يتخلون عن وظائفهم الإدارية للقتال عند الضرورة. وعلى المستوى الوطني، استبدل" جميع البيروقراطيين الطاحيك والأوزبكيين والهزارة المخضرمين " ببشتون ،دون الاهتمام بأهليتهم " . بالتالي توقفت الوزارات" عن العمل كليا".
أما وزارة المالية ، فلم يكن لديها لا ميزانية ولا" اقتصادي أو مصرفي ذو كفاءة" كان الملا عمر يجمع الأموال ويوزعها دون أية محاسبة قانونية.
قالت مخرجة أفلام من أصول أفغانية، استطاعت التسلل إلى أفغانستان وتصوير فلما عن الحياة في ظل حكم طالبان : أعتقد أنك تتكلم عن حكومة طالبان الذين يسيطرون على 90% من البلاد. الانطباع القوي الذي تكون لدي هو أن العجز أو عدم الرغبة لم تكن مرتبطة بالوضع المالي. من الواضح أنهم كانوا يملكون المال للصرف على القوات العسكرية الخ... ولكنهم لم يبنوا البنية التحتية ولا يركزون على المشاريع الإنسانية لإطعام الأفغان العاديين . برنامج الغذاء الدولي هو من يقوم بإطعام الناس. لا أعتقد أن المشكلة مالية بل سياسية وحسب.
هذا التنظيم الذي كان يشن حربا ضد معارضيه وكان آخر همه الإعمار. كل ما كان يهمه هو فرض القيود غير المعقولة باسم الإسلام.
ماذا فعلنا مع حلفائنا؟
صرح المسؤولون الأمريكيون في أفغانستان دوما أنهم لا يقاتلون بالسلاح وحسب بل بالبنية التحتية –بناء الطرق، والجسور والآبار ومعامل الكهرباء ، كوسيلة لإضعاف السلطة التي تمتعت بها هذه الميليشيا في السابق.
بدأت عملية الإعمار بعد أكثر من ثلاث عقود من الصراع على الرغم من إعاقتها بسبب استمرار القتال. لقد قدم المجتمع الدولي حوالي 70 مليار $ لإعادة إعمار أفغانستان، معظمه من الولايات المتحدة. عام 2002 خصصت 4 مليارات في مؤتمر طوكيو، تبعها 4 مليارات عام 2004 . وفي شباط 2006 10.5 مليار في مؤتمر لندن و11 مليار من الولايات المتحدة أوائل 2007.وكان أحد الأهداف التنموية الرئيسية إنجاز الطريق الدائري وهو مجموعة من الطرق السريعة تصل المدن الرئيسية الأفغانية فيما بينها.
الهند مثلا صرفت 1.2 مليار $ على الصحة والغذاء والبنية التحتية في أكبر برنامج إعانة خارجي تقدمه على الإطلاق.. في كانون الثاني استكملت طريق زارانج- ديلارام السريع قرب الحدود الإيرانية .. بالإضافة الى أصلاح الطرق وبناء الطرق السريعة تقوم الهند ببناء مبنى البرلمان الجديد.
http://en.wikipedia.org/wiki/Civil_war_in_Afghanistan
هذه بعض الأمثلة عما يجري وبالطبع يمكن للقارئ المهتم أن يراجع على الإنترنت ما أنجز منذ إسقاط طالبان.
2- الزراعة: منذ 2003 طبق العديد من المشاريع الزراعية . نذكر بعضا منها: بدأت شركة أمريكية برنامجا لتحسين مشتقات الحليب، وتمكنت عبر جهود جبارة وبعد التغلب على انعدام الثقة والعدائية ،من دعم أكثر من 1800 مزارعة أنثى في بروان وكندوز بشكل منتظم.
وقد أكدت هذه الحقيقة من قبل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، والتي أكدت في تقريرها أن النجاح الذي طرأ في أفغانستان هو نتاج جهود التطوير المستمرة من قبل الوكالات والمنظمات الدولية. وتشمل المشاريع الحالية تطوير صناعة البذور وإنتاج الحليب والسكر إعادة تأهيل الصناعة وسوق نظم المعلومات بالإضافة إلى مشاريع الأمن الغذائي والتغذية والوقاية من أنفلونزا الطيور ومحاربة زراعة الخشخاش واستبدالها بمحاصيل غذائية. كما تشير الإحصائيات الأخيرة لمنظمة الأغذية والزراعة إلى تضاعف إنتاج الحبوب خلال السنوات الست منذ الإطاحة بنظام طالبان.
3- التعليم: هذا الموضوع في الحقيقة من المواضيع المفضلة. لقد كانت إنجازات طالبان هائلة لدرجة سيذكرها التاريخ من بين أعظم الإنجازات.
عام 1993 وقبل استيلاء طالبان على الحكم، كانت منظمات الإعانة الدولية تدعم ما بين 1000 و2200 مدرسة تضم حوالي 25% من العدد التقريبي للتلامذة المليون الملتحقين بالمدارس الابتدائية. وفي باكستان دعمت 90000 ولد أفغاني في مخيمات اللاجئين. عام 1998 أغلقت طالبان حوالي 100 مدرسة إناث مدعومة من المنظمات غير الحكومية والبرامج الحرفية التدريبية المنزلية في كابول، فتراجعت نسبة المنتسبات من 32% قبل سيطرة طالبان على العاصمة إلى 6.4%.
فين عامي 1996 و2001 شل النظام التعليمي. نسب الإنتساب انخفضت ومدارس الإناث أغلقت ومنعت طالبان النساء من العمل وفرضت البرقع، ونظام الفصل. وبعد ذلك فرضت مناهج جديدة مثقلة بالمواضيع الدينية أعادت النظر بأهداف النظام التعليمي السابق.
Samadi, Saif R. (2001).Education and Afghanistan Society in the twentieth century. UNESCO.Paris 2001
قبل منع طالبان النساء من العمل ، كان 70% من المعلمين في كابول نساء.، كما كن يشكلن 50% من الموظفين الحكوميين وطلاب الجامعات و40% من الأطباء.
وكما رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بطالبان وإعطائها مقعد في الجمعية العامة، كذلك امتنعت منظمة المؤتمر الإسلامي المؤلفة من 55 دولة، الاعتراف بهم أو إعطائهم مقعد .وقد صرح أحد الدبلوماسيين:" طالبان ليست النموذج الذي يريد العالم الإسلامي أن يعكسها".
بعد ذلك منعت طالبان كل أشكال التسلية. القائمة طويلة وتتضخم يوميا : الموسيقى والسينما والتلفزيون والنزهات وحفلات الزواج والاحتفالات برأس السنة وأية تجمعات تضم الجنسين. كما منعت ألعاب الأطفال بما فيها الدمى وطائرات الورق، وألعاب الورق والشطرنج وآلات التصوير والصور والرسوم الزيتية للناس والحيوانات؛ اقتناء الببغاوات والسجائر والمشروبات الروحية ؛ المجلات والصحف ومعظم الكتب. كما منعوا التصفيق ، مسألة فيها نقاش الحقيقة : لم يتبق شئ يدعو للتصفيق.
أعتقد أن هناك نسبة عالية من عدم الأمانة في مدح طالبان والكاتب يجلس أمام حاسوبه يتصل بالعالم ، وهو شئ لما يكن بإمكانه القيام به لو كان يعيش تحت حكم طالبان، ولا كان باستطاعة الكاتب الذي استشهد به أن يكتب ما كتب.
إن التباكي على تغيير المناهج الدراسية مثير للاستهجان، فالكاتب يتناسى أن طالبان هم من ألغوا المنهاج السابق.وقد أكدت الأمم المتحدة على أن البناء الحقيقي للأمة يقوم به الأفغان، ووحدهم قادرون على صياغة العلاقة بين دستور إسلامي ديمقراطي حديث والتقاليد القوية التي هي في جوهر الهوية الشخصية والقبلية والوطنية.
إن الأمم المتحدة بمساعدة المنظمات غير الحكومية تقوم ببناء المدارس وتدريب المعلمين في بلد تعتبر نسبة الأمية فيه من بين الأعلى في العالم.
مع نهاية 2010 تكون ألمانيا قد أنفقت 1.6 مليار يورو على إعادة البناء المدني، منها 110 مليون يورو على الزراعة والتعليم.
مثال على هذه المشاريع، تمويل بناء 230 مدرسة ساعد معلمون ألمان في التعليم فيها.
أما عن الكهرباء والاتصالات والنقل، فقد كان 6% من الأفغان يستفيدون من الكهرباء، الهاتف كان ترفا ولاوجود للإنترنت ، على الأرجح ، ليس فقط لأنه كان ممنوعا بل لأنهم لم يكن يعنيهم التكنولوجيا . لقد كانوا مستعدين للإنفاق على السلاح ولكن ليس على بناء البنية التحتية التي كانت مدمرة بسبب الحرب الأهلية الطويلة والاحتلال السوفيتي. الآن هناك خدمة إنترنت سريعة وهاتف خليوي والمشاريع الكهربائية تشهد تحسنا ملموسا رغم التأخير الذي عانت منه.
http://www.goodafghannews.com/category/reconstruction/
في الأخير ،الواقع أن الكاتب تحت عنوان إعادة بناء أفغانستان كان يناقش أيديولوجيا وليس كيفية بناء البلاد.
صفاء العشري
القيادة المركزية الأمريكية