"كان لمحمد عبده تجربة شخصية في شبابه وسأل شيخه أول اتصاله به... ما طريقتكم؟ فاْجابه: إن طريقتنا الإسلام... وسأل شيخه بعد أن وجد في صحبته راحة وطمأنينة ما كان يعرفها: ما وردكم الذي يتلى في الخلوات أو بعد كل صلاة؟ فقال: لا ورد لنا إلا القرآن, نقراْ بعد كل صلاة أرباعا من القرآن مع الفهم والتدبر. قال: أنّى لي أن أفهم القرآن ولم أتعلم شيئا؟ قال: أقرأ معك... وإذا خلوت اذكر الله... يقول محمد عبده: وأخذت اْعمل على ما قال, فلم تمض علي بضعة أيام إلا وقد رأيتني أطير بنفسي في عالم آخر غير الذي كنت أعهد, واتسع لي ما كان ضيقا, وصغر عندي من الدنيا ما كان كبيرا, وعظم عندي من نزوع النفس إلى جانب القدس ما كان صغيرا, وتفرقت عني جميع الهموم إلا هم واحد وهو أن أكون كامل المعرفة, كامل أدب النفس. ولم أجد من يرشدني إلى ما وجهت نفسي إليه إلا ذلك الشيخ الذي أخرجني من سجن الجهل إلى فضاء المعرفة, ومن قيود التقليد إلى إطلاق التوحيد... هذا هو الأثر الذي وجدته في نفسي من محبة أحد أقاربي, هو الشيخ محمد درويش... هو مفتاح سعادتي إن كانت لي سعادة في الحياة الدنيا... وهو الذي رّد لي ما كان غاب عن غريزتي وكشف لي ما كان خفي عني مما أودع في فطرتي". ذ.عبد السلام ياسين، الإسلام بين الدعوة والدولة, ص 369- 370. مط النجاح- الدار البيضاء.
ومثل هذه الشهادة تجدها في سير الرجال وأخبارهم دالّة على أنّهم ظلّوا المحبوسين عن الله قلبا, المأسورين بأسر هواهم, المنفيّين من دائرة القرب, البعيدين المبعدين عن باب الربّ وهم من هم علما وجاها، حتى أوقفهم أهل الله على باب الله وفتحوا لهم الباب فإذا هم في الرّحاب مع النبيّ الحبيب والآل والأصحاب, معية أخوة وتحابّ واغتراب. طوبى للغرباء.
وهذا ابن قيم الجوزية يحدّث عن صحبته لابن تيمية, ويقول, وهو الضابط العدل الثّقة, المجمع على صحّة علمه, وصلاح حاله, وسداد قوله: " وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قطّ مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنّعيم بل ضدّها, ومع ما كان فيه من الحبس والتّهديد والإرهاق, وهو مع ذلك من أطيب النّاس عيشا وأشرحهم صدرا, وأقواهم قلبا, وأسرّهم نفسا, تلوح نضرة النّعيم على وجهه. وكنّا إذا اشتدّ بنا الخوف, وساءت منّا الظنون, وضاقت بنا الأرض أتيناه, فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كلّه وينقلب انشراحا وقوّة ويقينا وطمأنينة. فسبحان من أشهد عباده جنّته قبل لقائه, وفتح لهم أبوابها في دار العمل, فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها ". الوابل الصيّب من الكلم الطيّب, . ص 45، ابن قيم الجوزية, المكتبة الثقافية, بيروت.
ويلخص شهادات أخرى يصعب ذكرها وحصرها ممّن صحب من صحب, ورأى من رأى قول أحد الكبراء وهو ابن عطاء الله الإسكندري في حكمه: " لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلّك على الله مقاله". ويضيف مرشدنا الحبيب في المنهاج النبوي ما يقوي هذه الشهادة ويدعمها بزيادة: " ولي لله يجمعك على الله مع القعود خير منه ولي لله يجمعك على الله مع الجهاد ".
http://www.aljamaa.ORG/daawa_wa_hiwa...ne12102001.htm