عبدالله .. طفل عمره ست سنوات , يركض في الشارع وراء طفل آخر محاولاً مسكه و حالة من الصراخ والاستنجاد واللغط الصوتي في المنطقة .. فالجميع في حالة سكر , سكرٌ من المتعة بلعبهم لـلعبة الأطفال المعروفة في مختلف الأمكنة والأزمنة .. "شرطي حرامي" .
عبدالله حاول الإمساك بأحدهم لكنه سقط على الأرض , نزل الدم من رأسه فذهب لبيته وداوى جرحه ثم عاد ليشارك الـ"شلة" في حفلة السكر .. على الطريقة الـ"يهالية!" .
بعد أيام , وبما أن التاريخ الإفرنجي يشير إلى التاسع من شهر فبراير , فمن غير المستغرب سقوط المطر في هكذا يوم ... الجو رائع مع زخّات المطر القوية التي كأنها مغسلة ربّانية للأرض وما فيها .. من المعروف أن المتعة تملأ القلب الصغير أكثر من القلب الكبير , فكانت متعة عبدالله أكثر من مَن هم أكبر منه . أستغل اللحظة فخرج راكضاً كالمجنون هو ومجموعة من رفاقه في الجو الممطر .. ولم يكتفي بذلك بل جاوزه لإلى "إقتحام" كل بركة مياه بدرّاجته حتى غدا ثوبه أسوداً من الطين .
بعد ساعات من نفس اليوم , ينام مستلقياً على ظهره داخل خيمة بالقرب من غدير ماء في روضة في وسط قطر , صوت البرق يختلط مع صوت مذيع نشرة الثامنة والنصف ليلاً .. هو –بالنسبة لعبدالله- رجل فاضي يهذي بكلمات غير مبررة في لحظات يستوجب أن يستمتع فيها بالمطر (!) .. قام من فجره فأخذ يبحث عن الفقع ويركض وراء الخرفان .
****
كم هو جميل ذاك العبق الطفولي الذي استنشقه "عبدالله" وهو يكتب هذه الكلمات التي تقرأها الآن عزيزي القارئ , وكم كانت هذه الأيام بالنسبة له ظربٌ من المغامرة اليومية الجميلة والمليئة بالإثارة والحماس , وكم كان يومه طويلاً وهو يترنح بين بيت وبيت .. أي بيت وبيت ! .
حالة الإغماء الفكري عن ما هو هنا وربط حبلٍ بما كان هنا وما كان هناك تجعلنا نشعر بقدر من الحنين والجمال لأحضان الماضي الطفولية الدافئة دائماً , تلك الحياة البسيطة جداً والتي تجعل الصعب سهلاً والمر حلواً , وكأن الحال تجسيداً مثالياً لقول الأول :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله **** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ !
نعم كنّا أرباب الجهل وأسياد الحماقة وليس علينا حرج في ذاك . حاولت أحذف أخوي من فوق البيت عشان أحصل على "العصافير" التي تحلق فوق رأس المصاب .. كما يحاول (باقز بني) و (بسيط) أن يعلمنا ! . . في الحقيقة هناك حماقات كثيرة تعج بها الذاكرة .
ما أحاول فتحه في هذا الموضوع هو فتح باب الماضي , ماضي الأعضاء الكرام هنا , تسلية وتأنيس خاطر وأخذ ورد و"ريفرش" لصفحات ومواقف لها تأثير –بشكل أو بآخر- على شخصية الفرد الآن .. الشخصية بيت يُبنى من لبِـنات ومن السار أن نرى ونستشعر حال اللبنات الأولى لكم ولي .
هذا الموضوع هو فرصة لسماعنا ومضاتٌ من ماضيكم .. وسيكون لي رد هنا به من هناك لوحاتٌ وأوراق .
