في الأسبوع الماضي ذهبت لمستشفى خاص وانتظرت لفترة في قسم العيادات الخارجية.. وكانت العيادات مقسمة إلى باطنة وأطفال وعيون وأسنان (وفي الأخير) عيادة لتخطيط المخ.. وكانت جميعها مزدحمة باستثناء "عيادة المخ" حيث لمحت الطبيب يرتشف فنجان قهوة.. وفي لحظة تجلّ اكتشفت السبب الحقيقي لفراغ عيادة المخ بالذات وازدحام العيادات الأخرى، ففي حين لا يتحرج أحدنا من اصابته بالسكر أو الضغط أو التسوس لا يقبل الاعتراف - حتى مع نفسه - بوجود علة في رأسه أو تخطيط تحتاجه جمجمته.
هذا الغرور البشري يعبر عنه مثل شعبي جميل يقول: (حين قسم الله الأرزاق لم يرض أحد برزقه، ولكن حين قسم العقول رضي كل انسان بعقله).. فمعظمنا لا يرضى بما كتب له من الرزق في حين يرضى كل إنسان بعقله ويعتقد - عن قناعة - أنه أذكى الناس وأقدرهم على حل مشاكل الكون (..فقط لو أتاحوا له الفرصة).. لهذا السبب بالذات يتخذ كل إنسان من نفسه مقياساً للحكم على الآخرين ولا يتصور وجود رأي مخالف أو احتمال كونه على خطأ.. وفي المقابل هناك فئة نادرة تدرك أن العقل بطبيعته مغرور وأن الذكاء مهما ارتفع يعجز عن حل جميع المعضلات (وبالتالي تجده كثير التروي والحرص على مشاورة الآخرين ومشاركتهم عقولهم)!
.. الخبر الجيد هنا أن (غرور العقل) وباء شديد الانتشار لدرجة انشغال كل امرئ بنفسه، ولكنه يتحول لكارثة إدارية (وربما وطنية) حين يتفاقم لدى مدير أو مسؤول يرأس عقولاً حقيقية، فمسؤول كهذا يلغي ببساطة وجود غيره ويعتبر الموظفين مجرد أدوات لتنفيذ قراراته.. ولأنه "شارب بنفس مقلب" تراه يحشر انفه في كل صغيرة وكبيرة ويأخذ الأمور على محمل شخصي.. المحزن هنا أن اكثر المديرين فراغاً وجهلاً يخفي عيوبه بمزيد من التسلط والقسوة و"البريستيج".. ولكن العاملين حوله سرعان ما يكتشفون حقيقته ويضعونه في المنزلة التي يستحقها - وحين يصلون لهذه النتيجة يكون سيادته آخر من يعلم!!
منقول



































