كان مسالماً وادعاً .. 
 
في نظراته السلام بكل معانيه وحقائقه ، وفي طريقة كلامه تطل البساطة بأبهى صورها ، معلنة أن الناس لا زالوا على الفطرة ، وفي حركة يده والتفاتته ما يجعلك تحبه من أول نظرة . 
 
نشأ في بيئة مرصعة بالصدق والحب والإخاء ، لا يعرف للكذب طريقا ، ولا للخيانة مسلكا ، دينه الوضوح التام ، ومأكله ومشربه حب الخير للغير ، يقضي يومه في حلقة مليئة جميلة ، من بيته إلى مسجده إلى عمله .. وهكذا دواليك . 
 
عاش ما عاش سليماً من آفات القلوب وكوارث العقول ، ومكث ما قُدِّر له حراً طليقاً من آسار بلا أغلال .. 
 
حتى جاء يوم لا كالأيام .. وليلة لا كاليالي 
 
رنين الهاتف الصاخب يحطم كل جدران الصمت ، ينحرها على غير قبلة 
 
توجه إليه ، وهو يحادث قلبه ، (لعله صديق صدوق) ، أو (أخ في حاجة) .. بل (لعلها أمي الحبيبة) .. في أثناء ذلك عثرت رجله ، فحوقل واسترجع ، سقط وإذا به منبطح على الأرض ، وإذا يده على سماعة الهاتف .. 
 
- مرحبا .. 
 
= الووووووو (صوت ناعم لم يسمعه من قبل) 
 
- من يتحدث معي ؟ 
 
= هذا منـزل تغريد ؟ 
 
- لا .. أخطأتي الرقم أختي الكريمة ؟ 
 
 
 
<LI>أغلق الهاتف .. وقام لبعض شأنه .. وإذا رنين الهاتف ينحر الصمت مرة أخرى 
 
 
 
- مرحبا 
 
= هذا منـزل تغريد ؟ 
 
- لا .. ألم تتصلي من قبل ؟ 
 
= أحببت أن أتأكد .. ولكن 
 
- ولكن .. ماذا ؟ 
 
= يبدو عليك أنك من المثقفين ؟ 
 
- الحمد لله .. 
 
= أنا أحب الثقافة .. وأكتب الشعر .. أسمع هذا البيت 
 
 
 
- يا أختي .. أنا .. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
<LI>لم تمكنه من الإكمال قائلة : 
 
 
 
 
- صوتك في القلب يسري --- فبات قلبي في لظى الجمر 
 
- ولكن على أي أوزان الخليل هذا .. 
 
= من هو الخليل ؟ لا أعرفه 
 
- إذن .. كيف تكتبين الشعر ، ولكني سأعدها خاطرة 
 
= ألف شكر على ذوقك ولطفك .. حقيقة أنت لطيف جداً 
 
* احمرت وجنتاه .. وبح صوته .. 
 
- شكراً لك .. وأيضاً أنت كذلك .. 
 
= هل تقرأ شعر نزار أم أنت من قراء شعر عمر بن ربيعة ، هل تعرف وضاح اليمن ؟ 
 
- نعم أعرفه وأعرف قصته .. 
 
= تعجب من الحب .. وكيف يفعل بالمحبين ؟ 
 
= هل أحببت من قبل ؟ 
 
- ... 
 
= أرجو أن لا أكون قد سببت لك إزعاجاً 
 
- لا .. لا .. ولكن .. 
 
- أنا لم أجرب الحب ، قرأت عنه كثيراً في دواوين العرب 
 
= للحب حرفان ولكنهما ساحران ؟ 
 
- صحيح .. هما حرفان .. 
 
= سعدت بالحديث معك .. سأتصل عليك مرة أخرى .. 
 
 
 
- ... 
 
 
 
 
 
 
<LI>ذهول تام 
 
 
 
 
 
 
عيناه تسمرتا في سقف المنزل ، أطرافه لا تتحرك ، جلس يتحسس أذنه ، هل أنا في حلم ، ماذا جرى .. أأنا أكلم امرأة !! ، أحادثها أتباسط معها !! .. لا .. لا .. أكاد لا أصدق .. سأخرج .. سأبتعد .. لأنسى ما جرى 
 
 
 
 
 
 
<LI>من الغد .. وفي نفس الوقت .. رنين الهاتف .. مكث برهة يحادث نفسه .. إنها هي .. نعم إنها هي .. وفي لمحة خاطفة .. رفع سماعة الهاتف .. 
 
 
 
 
- ألوو 
 
= ألووووووووو .. مرحبا .. كيفك حبيبي 
 
 
 
- على ما يرام .. كيفك حبيبتي 
 
 
 
 
 
 
<LI>ثم انطلقا في سفر من الغرام بعيد ، وحديث يتبعه حديث . 
 
 
 
 
 
 
 
<LI>تواصلت المكالمات وكثرت .. وما كان ممنوعاً صار محبوبا .. وما كان محرماً صار هنيئاً مريئاً .. 
 
 
 
 
 
 
 
<LI>مرت الأيام وهو على تلك الحال ، ماضٍ في سراديب الغواية ، منحدرٌ في دركات اللهو والغفلة .. 
 
 
 
 
 
 
 
<LI>حتى لاح فجر التوبة في أفق الهداية ، وانجلت غيمة البؤس عن محياه النضر ، فآب إلى ربه وتاب ، واستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ، فصلى ركعتين ، وتحدرت دموع صادقات على وجنتيه ، وأنشأ يقول : 
 
 
 
يا رب قلبي أزمنا ---- حين اللعين تمكنا 
زلّتْ به الأقدام في وحلٍ ---- وقد رام الخنا 
هتفت به هتّافة ---- يا ويلها تبغي الدُّنى 
فأجاب دون ترددٍ ---- وكأنها فرص المُنى 
حادثتها فتمكنتْ ---- منّي وكنتُ الأرعنا 
ولو انني أجْبهْتُها ---- لغدوتُ منها صيّنا 
لكنني أسلمتها ---- نفسي فصرتُ المُغبنا 
قد كنتُ في بحبوحةٍ ---- في راحةٍ أجني الجنى 
أغدوا وأعدوا آمناً ---- من أن أُراع وأُحزنا 
حتى تغشى القلب فا ---- تنةٌ فأمسى مُدمنا 
ولهان أبغي كلمةً ---- منها لتحْيي الأغصُنا 
وأظل في قلقٍ إذا ---- ما الصوت عني أحرنا 
طوراً أقوم وتارةً ---- أهوي على نار العنا 
يا رب إني قافلٌ ---- عن درب ربّاتِ الخنا 
فاغفر لعبدٍ تائبٍ ---- ضل الطريق وما ونى 
قـــــــــلتُ : 
هنّ النساء بكيدهنـ ---- ن يصِدْنَ لا صيد القنا 
يرمِين بالألحاظ سهْـ ---- ـماً ما يجاوز لُبّنا 
ويفِلْن بالغنج الرهيـ ---- ـب جحافلاً من صبرنا 
وإذا طرقْنَ القلب قا ---- ل بسكرةٍ .. ها قد أنا 
وإذا هززْن رماحهـ ---- ـنّ هتكْنَ سِتراً واهنا 
وبكلٍ سُمٍّ قاتلٍ ---- يرمين قلباً مُحصنا 
النار تحت ثيابهـ ---- ـنّ تُذيب أركان البِنا 
والموت ينصِبُ مكمناً ---- منهنّ يا لَلمكنا 
ولقد خُلقنَ وإنهـ ---- ـن بلية تحوي العنا 
فاصرف فؤادك سالماً ---- منهن والتحِف السّنا
 
 
 
 
منقول