السبب السادس
لا تنتظر شكراً من أحد
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
خلق الله العباد ليذكروه و رزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثير غيره، و شكر الغالب سواه، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم { وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }.
وطالع سجل العالم المشهود، فإذا في فصوله قصة أب ربَّى ابنه وغذّاه وكساه وأطعمه وسقاه، وأدبه، وعلَّمه، سهر لينام، وجاع ليشبع وتعب ليرتاح، فلما طر شارب هذا الابن وقوي ساعده، اصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً، ازدراءً، مقتاً، عقوقاً، صارخاً، عذاباً وبيلاً. ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفِطَر، ومحطِّمي الإِرادات، وليهنؤا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والإحسان، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون. اعمل الخير لوجه الله ، لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضر غمط من غمطه، ولا جحود من جحده، واحمد الله لأنك المحسن، وهو المسيء، واليد العليا خير من اليد السفلى { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا }.
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلَّة الجحند عند الغوغاء، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوَّه وتمرده { مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ } لا تفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنّطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه ، فكيف بها معي ومعك.
أُعلِّمُه الرمايةَ كل يوم فلما أشتدَّ ساعده رماني