عالمية الحركة أم إقليميتها؟

من المسلمين من يطرح أن الحركة الإسلامية يجب أن تكون عالمية؛ وذلك لأن الإسلام هو دين عالمي ، ولأن بعثة محمد r كانت للناس كافة، ولأنه من حيث الواقع تواجه الحركة الإسلامية حركات عالمية الانتشار، وكذلك فإن ضخامة التكاليف التي يحتاجها التغيير الإسلامي تفرض العالمية. ويأتي أصحاب هذا الرأي بشواهد قرآنية: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً... [، ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً[ وكذلك ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً[ وها هو رسول الله r قد وجه دعوته إلى العالم أجمع لكل القوى، ولكل المعسكرات، ولكل الملوك. فبعث إلى النجاشي (ملك الحبشة) وهرقل (عظيم الروم) وإلى المقوقس (عظيم القبط) وإلى كسرى (عظيم فارس). ولا يجوز أن يبقى العمل الإسلامي (دكاكين) و (مزارع) هنا وهناك، ويبقى الجهد الإسلامي صيحة في واد.

نعم إن الإسلام كدين هو عالمي في عقيدته وفي نظامه.

فالله هو خالق كل شيء، ومدبر الأمر، وهو العليم الخبير الذي يجب أن يلتجئ إليه الإنسان العاجز الضعيف المخلوق من ماء مهين. فالله خالق الإنسان، وهو رب كل إنسان. والإنسان مرتبط وجوده بالغاية من خلقه وهي العبادة. ومرتبط وجوده كذلك بما بعد الحياة من بعث ونشور، وجنة ونار، وجزاء على الإيمان والكفر وعلى الطاعة والمعصية. وان حقيقة العقيدة يجب أن تُنقل للناس جميعاً، وتبلغ لهم: ]لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ[.

والنظام الذي أنزله الله على رسول وجعله منبثقاً عن هذه العقيدة هو نظام للإنسان كإنسان بغضِّ النظر عن لونه أو عرقه أو وضعه.

نعم إن الإسلام هو دين عالمي. وهو يفرض أن تكون بذرة إنشاء الدولة الإسلامية بذرة عالمية. وبالتالي فإن الإسلام يفرض على الجماعة أن تهيء نفسها لتقوم بهذه المهمة. لذلك فهي من حيث الأصل يجب أن لا تنظر إلى عملها نظرة ضيقة، ولا تحجم نفسها بحجم البلد الذي تعمل فيه، ولا تقبل بالطروحات الترقيعية أو التدريجية التي تقبل بالحق مجزأً. والتي تضيع على الحق جذريته. بل يجب عليها أن تنظر إلى أنها يجب أن تنقذ البشرية كلها من ترهات الكفر وأباطيل الشرك مهما اتخذ لنفسه من أشكال (كانوا قبلاً ينظرون إلى الصنم بأنه ينفع وبيده الخير والضر. والآن ينظرون إلى أفكار معينة أنها تنفع ومنها الخير ومن غيرها الضر) والعودة بهم إلى الحق الذي لا يتعدد. هذا ما يجب أن تكون نظرتها عليه، وعلى أساسه تتبنى ثقافتها. وان عملها وخط سيرها مرسوم لها، حتى إذا سارت عليه من غير تنكب، وصبرت على ما ستلاقيه من غير محاباة ولا مهادنة ولا مداهنة، يكون الله سبحانه وتعالى قد هيأها (عملياً ونظرياً) للقيام بهذا الأمر قياماً عالمياً، وذلك بعد إقامة دولة الإسلام. فهي من حيث الفكرة: فكرها عالمي، ومن حيث العمل لا تخرج عن كونها جماعة تعمل في مكان ما لإقامة دولة الخلافة. وبالتالي فإن دولة الخلافة هي التي ستقوم بالمهمة العظيمة.

وتبقى نقطة في الموضوع لا بد من ذكرها. وهي أن بلاد المسلمين مقسمة إلى دول (وهذا مقصود) والمسلمون في هذه الدول يعيشون بشكل عام في أجواء متشابهة، مع اختلاف في بعض الأمور الجزئية التي لا تغير طريقاً ولا تمنع انتشاراً للعمل المنظم الواحد في أكثر من بلد. وهذا الامتداد يعطي قوة للجماعة ويجعل توجهها أكبر وأفعل، ويجعل إقامة دولة الخلافة في قطر من الأقطار فيه قابلية التوسع والانتشار، وهذا ما يعين الجماعة للقيام بالمهمة التي ستلي قيام الدولة، ويهيء الدولة لأن تدخل مرحلة الصراع العالمي، وفي كلا الأمرين يعتمد على عون الله تعالى.