الحمدلله رب العالمين
أصل جواب هذه المسألة وما أشبهها: أن يعلم أن الله بعث محمداً-صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق, ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيداً وأنه أكمل له ولأمته الدين, وبشر بالسعادة لمن أطاعه والشقاوة لمن عصاه. وأمر الخلق أن يردّوا ماتنازعوا فيه من دينهم إلى مابعثه به كما قال تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}.....
وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع كثيرة وترجم عليه أهل العلم في الكتب (كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة) وكان السلف كمالك وغيره يقولون: (السنة كسفينة نوح. من ركبها نجا, ومن تخلف عنها غرق) وقال الزهري: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الإعتصام بالسنة نجاة).
إذا عرف هذا فمعلوم إنما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب له على العاصين, لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة, وإلا فإنه لو كان مابعث الله به الرسول –صلى الله عليه وسلم- لايكفي في ذلك لكان دين الرسول ناقصاً محتاجاً تتمة....
والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة فإن غلبت مصلحته على مفسدته شرعه, وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه, بله نهى عنه.
وهذا مايراه الناس من الأعمال مقرباً إلى الله, ولم يشرعه الله ورسوله: فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه, وإلا فلو كان نفعه أعظم غالباً على ضرره لم يهمله الشارع.
فإنه-صلى الله عليه وسلم- حكيم, لايهمل مصالح الدين, ولايفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين.
إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر. فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي.
يدل ذلك على أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة أو عاجز عنها. فإن الرسول-صلوات الله علي- والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية.
فلايجوز أن يقال: (إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه مايتوب به العصاة, فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر إنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لايحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية, التي ليس فيها ماذكر من الاجتماع البدعي, بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار, والذين اتبعوهم بإحسان-وهم خير أولياء الله المتقين من هذه الأمة-تابوا إلى الله بالطرق الشرعية, لا بهذه الطرق البدعية. وأمصار المسلمين وقراهم قديماً وحديثاً مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه, وفعل مايحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية.
فلا يمكن أن يقال إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية بل قد يقال إن فى الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية عاجزا عنها ليس عنده علم بالكتاب والسنة وما يخاطب به الناس ويسمعهم إياه مما يتوب الله عليهم فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إما مع حسن القصد إن كان له دين واما أن يكون غرضه الترأس عليهم وأخذ أموالهم بالباطل كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}.
فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل أو عجز أو غرض فاسد.