ليس أقل من هذا الوصف.. أن نقول إنها تتميز بالرعونة لا يكفي.. ولولا اللياقة لكان
الوصف الواجب هو أن السيدة مستشارة ألمانيا تتميز بالغباء السياسي الأصيل.. وبالتأكيد ليس من المقبول إطلاقاً من الصحافة الألمانية أن تصف تصرفها الأخير بأنهيتسم بالشجاعة.. إن بعض أنواع الشجاعة ـ لو يعلمون ـ يؤدي إلي الجحيم.
السيدة المستشارة التي ألقت إلي العالم الإسلامي بإدانتها لمحاولة القسالأمريكي جونز أن يحرق نسخاً من القرآن.. هي نفسها التي كرمت الرسام الدنماركي فيجريدة بولاند بوستن الذي نشر الرسوم المسيئة للرسول.. وهي نفسها التي اعتبرت أنالعواقب التي أدي إليها نشر الرسوم لابد أن تكون درساً في التسامح وأن الحريةأساسها الإقدام والشجاعة.. وفي حين أدانت حرق القرآن فإنها قالت إنه يحق لهذاالرسام أن ينشر تلك الرسوم في أوروبا.
المسألة إذن لم تعد مقصورة علي رساممتهور أو ساعٍ للشهرة.. أو صحفي يريد أن يتطاول علي عقيدة نصف العالم.. أو قس منحطومجنون.. المسألة تمتد إلي سياسيين ومسئولي دول يعضدون هذه التوجهات الملهبةوالمفجرة.. والتي تهدد أمن أوروبا قبل أن تهدد استقرار العالم والعلاقات بين أصحابالعقائد فيه.. وفيما يبدو فإن العصر الحالي قد أوتي قدراً من العابثين الذين لايدركون طبيعة ما يفعلون أو أنهم يدركون ويسعون حثيثاً إلي الجحيم بتصرفات يغطونهابشعارات من هذا النوع غير المقبول.
إن التفسيرات التي سيقت علي ألسنةمسئولين ألمان، وبمن فيهم مسئولة الإعلام في الجهة التي كرّمت الرسام ، وهي مؤسسةاسمها (إم 100)، لا يمكن أن نمررها، والقول إن ميركل لا علاقة لها باختيارهللتكريم.. وإنما قامت بذلك لجنة من 22 شخصاً.. في المؤسسة.. هو كلام فارغ لا وزن لهولا يعفيها من المسئولية.. بل يحملها جريرة اقتراف هذا الموقف المعادي للعقيدة التينؤمن بها ويكشف عن تبنيها لتوجهات عنصرية ومساندتها لاضطهاد معنوي أثم.
ولوأن المستشارة الحمقاء لم تختر الرسام فإنها وقفت في احتفال تكريمه.. بل لم تلتزمالصمت.. وإنما ألقت كلمة.. ولم تتوقف عند حدود المجاملة الدنيا.. بل أثنت عليهوصافحته.. وقالت إن نشر الرسوم من حقه.. واستمرأت ووصفت هذا بأنه نوع من حريةالتعبير.. وامتدحت ما اعتبرته شجاعته.. فأي جرم ينتظر بعد ذلك من المستشارةالألمانية.
نحن نرفض الإرهاب.. وندين بشدة أي تصرف يقود إليه ويشجع عليه.. ولكن التصرفات والأفكار والنظريات والسلوك الذي يؤدي إلي الإرهاب لا يأتي فقط منمعسكر المتطرفين المسلمين.. ولكنه أيضاً يأتي من هذه النوعية من الحكام في أوروباالتي فقدت عقلها.. ولم تعد تعي طبيعة التصرف الحكيم.. ليس فقط من أجل وزن العلاقاتمع أصدقائها المسلمين حول العالم.. ولكن أيضاً من أجل حماية الأمن القومي لألمانياالتي تتميز بفئة إسلامية كبيرة ومثيرة للجدل. ميركل تصب زيتاً علي نار ما صدقناأنها انطفأت أو خمدت.. تلهب الشعلة من جديد.. وتعضد تطرفاً.. وتغذي مشاعر عدائية ضدالإسلام.. وتقف ضد أصحاب العقيدة التي تهينها بهذا التكريم.. ولا أعتقد أن المؤسساتالألمانية الرصينة يمكنها أن تجد في تصرف السيدة المستشارة أي أمر يفيد المصالحالألمانية.. بل العكس هو الصحيح.
وإذا كانت المستشارة علي هذا القدر منالرعونة، فإنني لا أعتقد أن قوة ألمانيا كدولة واقتصادها المتماسك في ظل أزمةعالمية، يمكن أن يدفعها إلي هذا الغي في التصرفات، فهي ليست الدنمارك.. وهي ليستمثل الكنيسة المتواضعة التي كان قسها المجنون يحاول أن يحرق نسخا من القرآن الكريم.
إن ما فعلته ميركل يلقه بظلال كثيفة ويفجر عواقب وخيمة علي طبيعة نظرتناإلي الدولة التي تتولي أرقي منصب فيها